دوار البحر

عندما خلق الله الإنسان ... لم يكن كباقي الخليقة ، و ربما لذلك جعله آخرها .. فمنذ خلق الله الإنسان وهبه نعمة التفكير ، فحينما بدأ آدم حياته على الأرض بدأ يفكر فيما سوف يسمي باقي الكائنات .
و من أحد أوجه التقدم و أحد طرق قياس الحضارات و مدى تأثيرها في حياة البشر هي وسائل المواصلات.

بدأ الإنسان يركب الدابة بدلا من أن يسير على قدميه مسافات طويلة ، ثم ظهر إختراع العجلات ثم السفن ثم مؤخرا الماكينات بكل أنواعها .
و السفن عندما بناها الفينيقيون كانت شيء عظيم و عجيب ، لدرجة أنها أصبحت نقطة القوة في جيوشهم.
و لهذه الكتل الخشبية التي تعاند الغرق وسائل معقدة و طرق كثيرة لبناؤها ، يقول العلم أنها بدأت بحرق داخل جزع شجرة ليصبح هشاً سهل الإخلاء فيدخل فيه الإنسان ، و حتى البواخر و قياس عمق الغاطس و نوع المياة و تأثير الطفو .... إلخ .
و بغض النظر عن هذه المقدمة عديمة الفائدة تقريبا ، فقد جال بفكري موضوع السفن عندما رايت اليوم لوحة " حضانة فلك نوح " على أحد الباصات في الطريق ، و ربما كان سني هو عدم التفاتي لكلمة حضانة ، و لكني اهتممت جداً بالفلك .
عادة تبنى السفن بالقرب من المواني ، أو المسطحات المائية حتى يكون نقلها للبحر أو المحيط شيء سهل ، و لكن أن تبنى سفينة في الصحراء ، كأنك جهزت صنارتك للصيد ثم ذهبت للوادي الجديد ، و لكن نوح لم يبالي ، لم يستخدم فكره بل استخدم إرادة الله ، لمم يسأل و يناقش ... لماذا ؟ كيف ؟
و لأن عائلة نوح كانت عبارة عن 8 أفراد ، فبناء فلك بهذا الحجم ليس له معنى ، كأن يحجز شخصا ما كل مقاعد الطائرة حتى يشعر بالراحة ، و لن يستفيد شيئا ، و لكن نوح نفذ بالضبط المقاييس التي أملاها له الله ، و كان فلاحا و ليس مهندس بواخر ، دارسا للمثاليات في بناء الفلك .
في المرة الأولى التي شاهدت فيها ثعبان كنت أراه خلف الزجاج و كنت مرعوبا منه .. أفهم يارب أن نوح يأخذ معه الحمام و القطط و العصافير و الأفيال ، و لكن الثعابين و النمور و الفهود ، كمن ينام و في بيته ثعلب صغير أو نمس يأكل اللحم النيء .
كل هذا و نوح لا يبالي بأراء الناس و أفكارهم ، بل لا يبالي بفكره هو شخصيا ، لذلك عندما انتهى نوح من العمل و أدخل الحيوانات ، أغلق الله الباب ، و هنا لم يخف نوح من صوت الأعاصير ، و لا فحيح الأفاعي و لا زمجرة الأسود لأنه يعلم أنه داخل الفلك ، و الله في وسط هذا التجمع ، و من الذي يخاف في حضرة الله ؟!ربما لهذا من يصنع مشيئة الله لا يخاف أبدا لأنه واثق بمن آمن و مع من يسير ، لهذا صممت الكنائس على شكل فلك لتخبر الناس أن الله يحمي من يدخل بيته و يتمسك به ، و ربما لهذا سميت الحضانة بهذا الاسم حتى تطمئن على أطفالك و كأن الله نفسه سوف يحميهم وسط الطوفان .